27 - 06 - 2024

وجهة نظري | شكرا جنوب أفريقيا

وجهة نظري | شكرا جنوب أفريقيا

بعد شهور من الحزن .. بعدما أصبحنا أسرى لشعور بالعجز وقلة الحيلة .. تلاحقنا صور حرب الإبادة التي يشنها العدو على أشقائنا في غزة .. تفزعنا صورهم وهم يهربون من الموت للموت .. يتعرضون لقصف وحشى لايترك لهم مكانا آمنا .. ويكمل جريمته بحصار الجوع والعطش والإظلام .. بلا بيوت تأويهم ولاحتى مقابر تكرم موتاهم. لارحمة للعدو بالأحياء منهم ولا حرمة لشهدائهم.

من بين أنات الألم والحزن وخفوت أي ضوء يشى بفجر أمل وليد، تسرب اليأس عجزا رغما عنا وإن لم تبد له أية علامات تشى بها وجوه من يتعرضون للموت.. تنطق ألسنتهم دوما بالحمد والأمل واليقين أن النصر قادم لامحالة.

كنا وليسوا هم من يبحث عن بصيص أمل .. يد تخفف وطأة الحزن، تصرخ في وجه العدو الغاشم، صوتا يرهبه يواجهه بحقيقته البشعة.

تخيلنا أن يأتي المدد والصرخة والصوت الرادع من أشقاء، لكن خابت ظنوننا كالعادة .. فاق الخنوع المدى وفاق الخزى التصور.

لم يأت المدد منهم وإنما من شقيق آخر، لاينتمى للعروبة وإنما للإنسانية .. ذاق مرارة القهر والظلم والإبادة والفصل العنصري ، وإكتوى بنيرانها فكان شعوره الأقوى والأكثر إيلاما هو ما دفعه للتحرك ليحرك ضمير العالم اللإنسانى الصامت أمام أبشع جريمة تعرض صوتا وصورة على مرآى ومسمع الجميع.

صمت الجميع ولم يعل بكلمة الحق سوى جنوب أفريقيا، بشرتنا منذ شهور بقرارها اللجوء لمحكمة العدل الدولية واتهام إسرائيل إرتكاب جريمة إبادة جماعية.

كان القرار نقطة ضوء خفف قليلا من ظلام نفوسنا المعتمة كمدا، لكن ما إن بدأت أولى جلساتالمحكمة وتوالت كلمات الفريق القانوني لجنوب أفريقيا الذى فند ببراعة أدلة الاتهام .. وتتابعت كلماته بقوة تشي بجهد كبير واحترافية في عرض القضية وسرد الوقائع الوحشية لتمتليء نفوسنا بمزيد من الأمل .. نعرف تفاصيل الجرائم لكن أن يسردها آخر بنفس التفاصيل الموجعة التي أدمتنا فهو أمر مثير للإعجاب، خاصة بعدما سئمنا من عالم لا يردد سوى أكاذيب ما تمليه عليه دولة الاحتلال العنصرية محترفة الإجرام والأكاذيب.

توالت الكلمات القوية ليتردد صداها في نفوسنا بشرا وفرحة وإعجابا وإن كان لكلمات عديلة حسيم "عادلة هاشم" الأكثر تأثيرا وقوة ليس تحيزا لكن كانت بالعفل كذلك .. وجه هادئ لا يخلو من القوة والحسم .. صوت واثق يشى بعقل راجح تعكسه كلمات أختيرت ببراعة واحترافية لتصيب عمق الهدف.

وجهت أصابع الإتهام بقوة لإسرائيل بإرتكاب جريمة الإبادة الجماعية في غزة، وأكدت أن الفلسطينيين يقتلون بالأسلحة والقنابل الإسرائيلية من الجو والبحر والبر، ليس هذا فقط بل إنهم  معرضون أيضا للموت بسبب الحصار والمجاعة والمرض وبسبب تدمير المدن والبيوت ومحدودية المساعدات وصعوبة توزيعها وتوصيلها لهم.

أكدت أيضا على معاناة الفلسطينيين من ظروف صعبة لا يمكن معها الحفاظ على حياتهم فضلا عن استهداف دائم للطواقم الطبية والمستشفيات وسيارات الإسعاف.

وثقت المحامية كلماتها بعدد من الصور تظهر دفن جثث في مقبرة جماعية وغيرها من الصور التي تؤكد وحشية الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة، والمأساة التي يعيشها الفلسطينيون المحاصرون بين نيران الحرب ولهيب الحصار والتجويع.

إضافة لكلمات المحامية المرموقة تبارى أعضاء الفريق أيضا في سرد وقائع الجريمة متهمين إسرائيل أنها اعتبرت نفسها فوق القانون وأن كل خطابات مسؤوليها تحرض على إبادة الشعب الفلسطيني وأن الوضع في غزة غير مسبوق ومعظم مبانيها ومنشآتها سوى بالأرض.

84 صفحة ضمتها الدعوى، كل سطر فيها يعزف سيمفونية تطرب لها نفوسنا العطشى لكلمة حق وسط عالم محكوم بشياطين خرس لا تحرك لهم أبشع الجرائم ساكنا، يستقبلونها بافئدة غليظة باردة وعقول لاتعرف سوى المصالح ولاهم لها سوى الحفاظ على العروش ومقاعد الحكم .

على الجانب الآخر لم نتوقع أن يأتي الفريق القانوني الإسرائيلى بجديد أمام المحكمة .. فجاء الرد عقيما بلا معنى مجرد كلمات جوفاء، "أكاذيب ومحاولات لتبرير جريمة الإبادة مفتقدا للكثير من الأدلة والبراهين فجاء غير متوازن"، على حد وصف الفريق القانوني لجنوب أفريقيا .

لم يكن الرد الإسرائيلى قويا وغير إحترافى لسبب بسيط، أن الدولة العنصرية لم تعتد على المساءلة والمحاسبة وتقديم الأدلة والبراهين والتوثيق، بل على العكس لم تبرع سوى في ترديد الأكاذيب وتلفيق الأدلة وتشويه الحقائق وتزييف البراهين .. تسوق كل ذلك على آذان عالم بؤمن دوما على كل ما تقوله، ودولة عظمى لايتردد زعيمها في تكرار ما يقوله ساسة إسرائيل حتى لو إكتشف كذبهم واعتذر عن تسرعه، لكن سرعان مايعود مكررا نفس الأكاذيب.

كان طبيعيا أن تثلج محاكمة إسرائيل للمرة الأولى صدورنا .. حتى لو استغرقت المحاكمة شهورا، وحتى لو لم تلتزم بقراراتها وتحولت لدولة مارقة، يكفينا ماقدمه الفريق القانوني لجنوب افريقيا من حقائق فضحت الوجه القبيح وعرته أمام العالم.

هي خطوة ربما تكون لتأثيرها المعنوى الأثر الأكبر لكنها البداية، ربما تبشر بمحاكمات أخرى تتوالى تباعا لنرى دوما الكيان العنصرىالوحشى في قفص الإتهام قبل أن نراه مدحورا على أيدى أصحاب الحق والأرض والوطن.
---------------------------
بقلم: هالة فؤاد


مقالات اخرى للكاتب

وجهة نظري | إنسانية اللا عرب





اعلان